12 ديسمبر 2019
لقد آن الأوان لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومن ثم يجب على الولايات المتحدة التعجيل باتخاذ هذا القرار. وفي الوقت ذاته، يتعين عليها دعم جهود الإصلاح من خلال فرض عقوبات تستهدف شبكات المخرِّبين من المسؤولين والعناصر التمكينية التي تعمل على زعزعة السلام، وانتهاك حقوق الإنسان، وتقويض عملية التحول الديمقراطي.
منذ أداء اليمين الدستورية قبل ثلاثة أشهر، اتخذ مجلس الوزراء بقيادة رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك إجراءات مهمة لحماية حقوق الإنسان الأساسية، ومحاربة الفساد، والحد من نفوذ وأنشطة الجماعات المتطرفة التي تشاطر المنظمات الإرهابية الدولية الإيديولوجيات ذاتها. ورغم أن هذه الإجراءات قد أوفت بكثيرٍ من بنود الاتفاقية الإطارية التي تم التوصل إليها بين الولايات المتحدة والسودان قبل تنصيب الحكومة الانتقالية، إلا أنه ما زالت ثمة حاجة إلى احراز مزيد من التقدم فيما يخص المسائل الحيوية مثل توصيل المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة من الحرب.
وعلى الرغم من ذلك، وبعد انتهاء زيارة رئيس الوزراء حمدوك إلى الولايات المتحدة مؤخراً وما أعقبها من اتخاذ قرار بتبادل السفراء بين الدولتين لأول مرة منذ 23 عاماً، نعتقد أن الشروط الضرورية المطلوبة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب قد تحققت وأن أهمية دعم جهود الإصلاح التي تعمل عليها الإدارة المدنية الجديدة في السودان تفوق المخاطر المحتملة جراء رفع اسم السودان من هذا التصنيف في وقت مبكر.
صرح سليمان بلدو، كبير مستشاري مشروع “كفاية“، قائلاً: “إن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب لن يكون كافياً لجذب الاستثمارات التجارية المسؤولة، لذا لا بد من إجراء مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الأساسية وتشمل زيادة الشفافية في القطاع المصرفي، وإصلاح أنظمة مكافحة غسل الأموال في البلاد، وتطبيق قوانين التعاقد والمشتريات العامة. وبدون هذه الإصلاحات، من المرجح ألا تسعى المؤسسات المالية وغيرها في القطاع الخاص التي تقوم بعملية التحقق الملائمة من خلال إجراء “اعرف عميلك” ومراجعات العناية الواجبة المعزّزة إلى ممارسة الأعمال التجارية في السودان استناداً إلى ما تجريه من تقييمات للمخاطر، وذلك بالرغم من رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب“.
من جانبه صرح جون بريندرغاست، العضو المؤسس لمنظمة “ذا سنتري” والمدير الإستراتيجي لمؤسسة كلوني للعدالة، قائلاً: “لا زال التحول في السودان هشاً بعد عقود من إحكام شبكة تتسم بالعنف والفساد من المسؤولين قبضتها على الدولة في عهد الرئيس السابق عمر البشير المطلوب تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية. ويمثّل المفسدون المحتملون المنتمون إلى هذه الشبكة والساعون إلى عرقلة هذا التحول الجذري في الحكم تهديداً من شأنه عرقلة التقدم الكبير الذي أحرزه القادة الجدد للسودان“.
وعليه، فيجب أن تظل الولايات المتحدة وغيرها من الدول التي تدعم السلام والديمقراطية في السودان على استعداد لممارسة سلطاتها في فرض العقوبات ومكافحة غسل الأموال للتصدي لهذه التهديدات ولاستهداف المُفسدين المتورطين في عمليات الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، ما زالت قوات الدعم السريع وغيرها من الجماعات المسلحة التابعة لنظام البشير مستمرةً في شن الهجمات والاستيلاء القسري على الأراضي في دارفور، لذا يتعين على الولايات المتحدة والدول الأخرى فرض العقوبات على مثل هذه الشبكات المسؤولة عن نشر العنف في دارفور وغيرها من المناطق التي مزقتها الحرب في السودان.
تبلور موقفنا من هذه القضايا علي ضوء وفرة وكثافة الخطوات التي اتخذتها الحكومة الانتقالية والتي يتضح من خلالها عزم إدارة حمدوك على التحرك الإيجابي وتشمل هذه الخطوات الإجراءات التالية.
- إنهاء المعاملة الضريبية التفضيلية: اعتمدت الحكومة في أواخر شهر نوفمبر توصيات قدّمها وزير المالية ونصّت على إلغاء الإعفاءات من ضريبة الدخل والأعمال التي اعتمدها نظام البشير لتشمل كيانات لها أغراض سياسية واقتصادية خاصة بذلك النظام من ضمنها دعم المنظمات المتطرفة. ويبعث إلغاء هذه الإعفاءات وغيرها من المزايا المالية رسالةً إلى المنظمات الداعمة للإرهاب الدولي مفادها أنه لم يعد لهم حلفاء في الخرطوم. وتزامنًا مع التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء حمدوك بشأن تعويض ضحايا الإرهاب، يأتي اتخاذ هذا الإجراء دليلاً واضحاً على نبذ سياسات النظام السابق.
- إلغاء قوانين النظام العام ومراجعتها: ألغت الحكومة في التاسع والعشرين من نوفمبر قانون النظام العام القمعي الذي كان يحكم ممارسة النساء للأنشطة العامة وما يرتدينه من ملابس وتخضع كل من تخالفه لعقوبات بدنية قاسية بالإضافة إلى السجن. و تقوم لجنة من المستشارين القانونيين برفع توصيات بلوزير العدل بمراجعة القوانين القمعية الأخرى الي حين إنشاء مفوضية وطنية للإصلاح القانوني التي ستتولى مسؤولية إجراء مراجعة شاملة لجميع القوانين في السودان قبل الانتخابات المزمع إجراؤها خلال ثلاث سنوات.
- التحقيق في أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وأعمال الفساد: أعلنت الحكومة في الحادي والعشرين من سبتمبر عن إنشاء لجنة مستقلة مؤلفة من سبعة أعضاء للتحقيق في هجوم يونيو على المتظاهرين السلميين الذي أسفر عن وفاة متظاهرين عُزَّل وارتكاب جرائم اغتصاب من قِبَل قوات الأمن. وقد بدأت اللجنة عملها رسمياً في أواخر شهر أكتوبر برئاسة المحامي الضليع والمدافع عن حقوق الإنسان، نبيل أديب، وشرعت في إجراء التحقيقات بعد شهر من بدء العمل. وفي الأول من ديسمبر، شكّل النائب العام لجنة تحقيق بشأن الأصول المسروقة المتعلقة بمشروع الري المعروف باسم مشروع الجزيرة. وقد اتخذ أيضاً إجراءات تتعلق بالتحقيق بالفساد المرتبط بشركة الخطوط الجوية السودانية ، لا سيما البيع غير القانوني لحق الهبوط لتلك الشركة بمطار هيثرو .
- تجميد أصول المنظمات المشتبه فيها: قامت السلطات في الثاني والعشرين من نوفمبر بحظر وتجميد أصول نحو 30 منظمةً، مشيرةً إلى تورط العديد من الجماعات المحظورة في العمل السياسي لحزب المؤتمر الوطني وهو الحزب الحاكم سابقًا، أو مشاركتها في أعمال لا علاقة لها بالمقاصد المعلنة لمنظماتها. وقد استغلت المنظمات المتطرفة في ظل نظام البشير المؤسسات التجارية والجمعيات الخيرية كستار لجمع التبرعات والتهرب من المراقبة التي تترصد مجال تمويل الإرهاب.
إنّ التعجيل بعملية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ليس علاجاً سحرياً لكل المشكلات، ولكنه سيساعد في فتح باب الدعم المالي اللازم وتعزيز الآفاق الاقتصادية في السودان. وإذا حدث ذلك بالتزامن مع الإصلاحات الجادّة في القطاع الاقتصادي، ونظام الحوكمة، ومجال حقوق الإنسان، فإن احتمالات التعافي الاقتصادي والتحول الديمقراطي في البلاد ستزيد بدرجةٍ كبيرة. ويجب على الولايات المتحدة تطبيق سياسة تتسم بالذكاء وفي الوقت ذاته تكفي لاستهداف هؤلاء الذين يسعون لتقويض الإصلاحات الجادة والتورط في أعمال العنف، وهذا على النقيض تماماً من سياسات مثل الإدراج في قائمة الدول الراعية للإرهاب التي تتسم بقدر كبير من الغلظة والتي من شأنها أن تشكل عقبة في طريق التقدم الاقتصادي والسياسي.